نوفمبر 2005. العيد السبعون للفنانة الكبيرة السيدة فيروز. ورغم ان الكبار من وزنها لا يقاسون بعدد السنوات بل بقيمتهم وعطائهم وامتاعهم للآذان والقلوب والنفوس، فان ذكر الرقم هو فقط لمعرفة الشموع التي نرغب في إضاءتها وليس إطفاءها في هذه الذكرى مع التمني من خلالها العمر المديد لها، لكي نظل نحتفل ونفرح بوجودها بيننا، تضخّنا من وقت لآخر، وإن على فترات متباعدة احياناً بشحنات من التفاؤل بأن هناك ما يساوي ان نعيش من أجله. الراهن سيدة الدهشة هي. فعل قائم وحاضر ومؤثر، حاملة في الجعبة اكثر من نصف قرن عطاء مع الثنائي العبقري عاصي ومنصور الرحباني اللذين استطاعا في عز الحقبة الذهبية في لمعان الفنون بالقاهرة ان يحققا اختراقاً نوعياً، بفنهما الجديد، مع افضل من اوصل الكلمات والألحان بحنجرة واحساس يصعب الفوز بمثلهما الا في كل قرن مرة. القديم الراقي، والوسيط اللامع، والحاضر المتميز رغم عدم الاتفاق عليه من كل السامعين والمراقبين والنقاد، كل هذا يشكل حالة اسمها فيروز. هي اكبر من مدرسة، واعظم من معهد، وافضل من اسطورة لسبب بسيط وهو انها حقيقة بينما الاساطير خيال من صنع اخيلة عديدة، وقد اكدت ذلك بالممارسة والثبات والتواضع والحفاظ على عدم اهتزاز الصورة الرحبة الآفاق في اذهان محبيها على امتداد الارض، حيثما وصل الانتشار العربي في تغربه.
فيروز اليوم هي كل هذه الاجواء، وان كانت في تعاملها مع العصر، اشبه بنجلها زياد، الفنان الكبير الذي استطاع التميز عن عبقرية والديه بحيث مجرد القول زياد، يكفي لمعرفة من المقصود ولا نحتاج تالياً للقول انه ابن العظيمة فيروز والعبقري الراحل الحاضر عاصي. قيل الكثير عن النمط، عن العمق، عن الشكل، عن المضمون، لكن السؤال لو لم تجرب فيروز الدخول في عصرنا، فمن الذي يحق له ان يفعل ذلك غيرها, خليك بالبيت، صباح ومسا، شو بخاف، صبحي الجيز، تنذكر ما تنعاد، يا مريم، انا فزعانة، بيذكر بالخريف، لا والله، وانشالله مابو شي، الى عشرات النماذج, قيل انها ليست الصورة المعروفة عنها، ومن قال ان لها صورة واحدة، ان لها صوراً لا عدّ لها بالامكان اختيار الانسب لهذا الذوق او ذاك والتعامل معها على هذا الاساس. هي تغني كأنها لا تغني، تتحدث بعفوية، بانطلاق وبحب كبير، وما قدمته لابنها كان في هذا السياق، هكذا رأى الفنان زياد ما يناسب فيروز, فغنت من الحان وكلمات زياد. المخزون هذا الجانب يحتاج الى كتب وابحاث لبلوغ الاكتفاء منه. هل نعود فنتذكر كل المسرحيات التي اطلت من خلالها بدءاً من اواسط الخمسينات وحتى امس غير البعيد، ام نتذكر كل الاغنيات والاجواء التي رسمتها بالصوت في قلوبنا, في الليل كما في النهار. في حالات الأسى، كما في اجواء الفرح نجد الصوت ملائماً، والاغنيات تأتي في مناسبتها من دون اي اختلال في التوازن. في ايام السلم لنا الاغاني والمشاهد المسرحية الفولكلورية وفي ايام الحرب المدمرة عرفناها ناطقة بلسان الجميع, نعم فصوتها واغنياتها هي هي تردد على اثير كل الاذاعات التي تمثل الاطراف المتقاتلة، كلهم يريدون لبنان كما رسمه الاخوان رحباني وكما جسدته بالصوت فيروز، لذا كان لافتاً ان تشكل هذه الكبيرة قاسماً مشتركاً عند اللبنانيين حتى في حالات اختلافهم او تبادلهم القصف بالتصريحات، او بالقذائف لا اعادها الله من جديد. وكان خطأ رفع دعوى ضد احد المخرجين الاجانب عندما اضاء على هذا الجانب بالتحديد في فيلم وثائقي طويل عرض في بيروت، فما اروع ان يرى الاجنبي، ما حقيقة ما كان سائداً في بيروت خلال حرب الآخرين على ارض لبنان. قضايا يا بني امي, هكذا خاطبت بصوتها واستناداً الى كلمات جبران خليل جبران، وانغام زكي ناصيف. اسوارة العروس، نظمها جوزف حرب ولحنها فيلمون وهبي، فكانت نشيداً خاطب جنوب الوطن الرازح تحت الاحتلال حتى حقبة طرده من الارض. بحبك يا لبنان، يا وطني بحبك. هكذا خاطبت وطنها في عز الحرب، واستدعى ذلك صدى عربياً واحداً من الكبير السيدة وردة حين غنت لبنان الحب, فيروز عرفت كيف تكون عند حسن ظن كل لبناني بها، وتوجت هذا المناخ ببقائها صامدة في بيروت حتى في اصعب ظروف القصف والتدمير ولم تهرب الى اي مكان في العالم، بل كانت تتحين الفرصة الانسب لكي تحيي حفلة هنا او اخرى هناك في دنيا العرب والعالم، وكانت دائماً تعود الى بيتها مثلها مثل اي مواطن يجد او لا يجد مكاناً آخر يلتجئ اليه بعيداً عن الاخطار التي كانت تهدد بلدنا بكل اشكال والوان السلبيات. واذا ما عدنا بالذاكرة الى بداية القضية العربية ان اول واهم من غنى لرفع الروح المعنوية، وتحفيز الهمم والدفاع عن الحق السليب كانت فيروز مع الاخوين رحباني، ولا يجد المحتفلون بكل المناسبات الوطنية افضل واكثر تعبيراً من الاغنيات التي خصت بها القدس والقضية من تحف تحولت اناشيد يصعب الاتيان بمثلها او تجاوزها حين الكلام عن افضل ما قدمه هذا الثالوث (عاصي، منصور، وفيروز) اسهاماً في رسالة التعريف بالحق العربي امام امم الارض. موكب رئاسي لطالما لبت معظم دعوات السفر الطويل والغناء لكل اهلنا العرب المغربين في اقاصي الارض، والذين يحمل معظمهم في جعبته، ومكتبته كل نتاج فيروز، زاداً من الوطن الام، الى الاوطان التي يحلون عليها ضيوفاً ثم يتحولون مواطنين أوفياء يخدمون بأصلهم والاقطار التي استقبلتهم. وقد سجلت على الدوام حالات اغماء ونوبات بكاء وعويل كلما شدت فيروز متغنية بلبنان، بجماله، بوحدة اهله، او كلما قالت: «يبقولوا زغيري بلدي». كانت تستقبل كما كبار الشخصيات والضيوف اينما حلت، موكبها موكب رئاسي خاص، وتقديرها يبدأ من الارفع الى الارفع، وهي بالتالي حملت اوسمة وتنويهات ودروعاً ومفاتيح واستطاعت ان تزرع بلدها وصورة امتها اينما حلت. قبل ربع قرن قال الشاعر الكبير انس الحاج: «الكتابة عن صوت فيروز متعة يعرفها معظم الشعراء ويعرفون ايضاً انها فخ مؤلم ولذيذ، فخ الوقوع في تجربة التعبير عما يلح عليك للتعبير عنه، وهو في الوقت نفسه غير قابل تماماً للتعبير, الطمأنينة والتحريض او العذوبة والتمرد صفتان متلازمتان في صوت فيروز وهذا ما يفسر الى حد الحاجة اليه». ويضيف: «قيل لي في اسباب حبي لصوت فيروز إلا الحقيقة، والحقيقة هي اني لا ارى صوت فيروز مجرد صوت اخاذ بل ارى فيه تارة طفلة خائفة تحتاج الى حماية، وطوراً امرأة هي اجملهن، امرأة الخيال، تلك الطفلة هي الطفولة، وتلك المرأة هي الحلم». تأثر غنت في طفولتها لـ ليلى مراد واسمهان، واكثر الالقاب انسجاماً مع صورتها هو قيثارة السماء. عام 1947 كان محمد فليفل اول من استمع واكتشف صوتها، ثم استمع اليها وهي تسجل نشيداً وطنياً لـ فليفل، الفنان حليم الرومي الذي استدعاها الى مكتبه فغنت له يا زهرة في خيالي لـ فريد الاطرش وموالاً لـ اسمهان فعينها سريعاً في فريق كورال الاذاعة: «كنت يومها احلم بالغناء في الاذاعة واخبروني وقتها انني سوف احصل على مئة ليرة شهرياً، وكان هذا المبلغ بالنسبة لي هائلاً». هذا ما قالته فيروز، التي كانت اول اغنية لها مع عاصي الرحباني: حاجي تعاتبني يئست من العتاب ومن كتر ما حملتني هالجسم داب حاجي تعاتبني واذا بدك تروح روح وانا قلبي تعوّد على العذاب اسمها عام 1952 اقترح الرومي عليها اسم فيروز بديلاً لـ نهاد حداد، كون صوتها نادراً ولامعاً مثل هذا الحجر الكريم. زواجها من عاصي الرحباني تم عام 1954 في شهر يوليو وهي قبلت بعد واقعتي رفض، وامضيا شهر العسل في احد فنادق شتورة ثم سكنا في منزل خاص بمنطقة انطلياس شرق بيروت. عام 1955 سافر عاصي وفيروز الى القاهرة بدعوة من اذاعتها وامضيا هناك خمسة اشهر، وقد اعتذرت يومها عن العمل في السينما لانها كانت حاملاً في ابنها زياد الذي ولد في كانون الأول (يناير) العام 1956. عام 1957 كانت وقفتها الاولى في مهرجانات بعلبك وغنت: لبنان يا اخضر حلو، لتتوالى مسرحياتها مع البعلبكية، ايام فخر الدين، لولو، المحطة، ميس الريم، يعيش يعيش وغيرها. حضور القاهرة، الكويت، تونس، عمان، دمشق، الرباط، الجزائر، كما في فيلادلفيا، بوينس آيرس، نيويورك، سان فرنسيسكو، مونتريال، لندن، باريس، فيها كلها غنت، وفي سواها على امتداد العالم. عام 1957 منحها الرئيس كميل شمعون وسام الاستحقاق من رتبة فارس، وعام 1969 صدر اول طابع تذكاري يحمل صورتها، الملك الحسن الثاني ملك المغرب الراحل فاجأها حين استقبلها في احدى زياراتها الى المغرب بأن جاء واستقبلها بنفسه، ونالت عام 1975 وسام المملكة الاردنية الذهبي من الملك الراحل حسين. ومسيرة التكريم والتقدير طويلة، ولا افق لها لفنانة كبيرة تسطع في حياتنا منذ 53 عاماً، وقد بلغت اليوم السبعين.
احبوها وحدها تأسف للكراهية بين اللبنانيين
في حديث نشرته مجلة الحوادث عام 1987 مع فيروز قالت في حوار مع نور الجراح: «يؤسفني ان اللبنانيين يحبونني ويكرهون بعضهم».
فيروز والسنباطي
بيني وبينك خمرة وأغان فاسكب فعمري في يديك ثوان ما همنا انطفأت نجوم بعدنا وتوقفت ارض عن الدوران مطلع قصيدة للشاعر جوزف حرب لحنها الموسيقار رياض السنباطي لكي تغنيها السيدة فيروز وهناك نزاع مع احمد السنباطي حول الموضوع.
--------------------
SALMIYA SNAPSHOT 09 I all
المشاركات: 8863 | من: الكويت نبض قلوبنا | تاريخ التسجيل: ديسمبر 2002
|
إرسال هذه الصفحه لصديق!
لطباعه هذا الموضوع
![[heartpump]](graemlins/heartpump.gif)
all 
![[Big Grin]](biggrin.gif)
.. منو ما يعرف هالاسم ؟؟؟ ![[Smile]](smile.gif)
.. ويعطيك الف عافية 
