الآن، في المنفى نعم في البيتِ، في الستّينَ من عُمْرٍ سريعٍ يُوقدون الشَّمعَ لك فافرح، بأقصى ما استطعتَ من الهدوء لَأنَّ موتاً طائشاً ضلَّ الطريق إليك من فرط الزحام. . .، وأجّلك
قمرٌ فضوليٌّ على الأطلال يضحك كَـ الغبي فلا تصدِّق أنه يدنو لكي يستقبلك هُوَ في وظيفته القديمة مثل آذارَ الجديدِ أعادَ للأشجار أسماءَ الحنينِ وأهمَلكْ فلتحتفلْ مع أصدقائكَ بانكسار الكأس
في الستين لن تجِدَ الغَدَ الباقي لتحملَهُ على كتِفِ النشيد ويحملكْ قُلْ للحياةِ، كما يليقُ بشاعرٍ متمرِّس: سيري ببطء كالإناث الواثقات بسحرهنَّ وكيدهنَّ لكلِّ واحدةْ نداءُ ما خفيٌّ: هَيْتَ لَكْ / ما أجملَكْ!
سيري ببطءٍ، يا حياةُ ، لكي أراك بِكامل النُقصان حولي ، كم نسيتُكِ في خضمِّكِ باحثاً عنِّي وعنكِ. وكُلَّما أدركتُ سرَاً منك قُلتِ بقسوةٍ: ما أّجهلَكْ! قُلْ للغياب: نَقَصتني وأنا حضرتُ لأُكملَكْ!
فجيعة الشعر العربي برحيل عملاقه وعندليبه
( محمود درويش )
دبي - العربية نت
توفي الشاعر الفلسطيني محمود درويش مساء السبت 9-8-2008، عن 67 عاما
في مدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية. وكان درويش في وضع خطير
ويخضع للتنفس الاصطناعي منذ يومين، بعد حدوث مضاعفات لعملية
القلب المفتوح التي خضع لها الأربعاء.
وقال طبيب الشاعر، عبد العزيز الشيباني، إن قرارا اتخذ بالتشاور
بين الأطباء وأسرة الشاعر الكبير بنزع أجهزة الإعاشة عنه بعد
أن تبين استحالة عودة وظائفه الحيوية إلى طبيعتها.
وخضع الشاعر الفلسطيني للجراحة على أيدي الجراح العراقي حازم صافي
الذي يعتبر من أمهر الاختصاصيين في هذا المضمار.
وذكرت صحيفة "الأيام" الفلسطينية أن العملية تضمنت إصلاح ما يقارب 26 سنتيمترا
من الشريان الأبهر (الأورطي) الذي تعرض لتوسع شديد تجاوز درجة الأمان
الطبيعية المقبولة طبيا.
وقبل هذه العملية خضع درويش لقسطرة في القلب وسلسلة فحوص
دقيقة للتأكد من وضعه الصحي الإجمالي واستعداد القلب والكلى
خاصة لمثل هذه العملية الأساسية والدقيقة.
وأجريت لدرويش عمليتان جراحيتان في القلب عامي 1984 و1998.
وكتب درويش مؤخرا مطولته " جدارية "، التي يقول فيها:
"هزمتك يا موت, الفنون الجميلة جميعها هزمتك,
يا موت الأغاني في بلاد الرافدين,
مسلة المصري,
مقبرة الفراعنة،
النقوش على حجارة معبد..
هزمتك..
وأنت انتصرت".
وقد ولد درويش في فلسطين في قرية البروة في الجليل الغربي عام 1942
ودمرت قريته عام 1948 وأقيم مكانها قرية زراعية يهودية باسم "أحي هود"
ونشأ وترعرع في قرية الجديدة المجاورة لقريته.
ويعتبر درويش أحد أهم الشعراء الفلسطينيين المعاصرين
الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن، وبين أبرز من ساهموا بتطوير
الشعر العربي الحديث الذي مزج شعر الحب بالوطن.
وقام درويش بكتابة إعلان الاستقلال الفلسطيني الذي تم إعلانه في الجزائر عام 1988.
والتحق في شبابه بالحزب الشيوعي الإسرائيلي، وعمل في مجلة "الجديد" وصحيفة "الاتحاد"
ولوحق من أجهزة الأمن الإسرائيلية، ومن ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية
ما بين عام 1961 حتى غادر عام 1972.
وقام درويش بدورات حزبية في الاتحاد السوفياتي، ومن ثم لجأ إلى مصر عام 1972
والتحق بصفوف منظمة التحرير، وشغل فيها عضو لجنة تنفيذية.
ونال درويش عدة جوائز عالمية تكريما لشعره.
وقبل الإعلان الرسمي عن وفاة درويش، تناقلت وسائل إعلام أنباء متضاربة
حول بقائه على قيد الحياة في وضع حرج، أو تعرضه لموت سريري أثناء
بقائه على أجهزة التنفس الاصطناعي، إلى أن حسم طبيبه الخاص
الجدل في اتصال هاتفي مع قناة "العربية".
لاأعرف الشخص الغريب!!!
لا أعرف الشخص الغريب
من ديوان كزهر اللوز أو أبعد
لا أعرف الشخص الغريب ولا مآثره رأيتُ جنازةً فمشيتُ خلف النعش مثل الآخرين .. مطأطِىء الرأس احتراماً
لم أجد سبباً لأسأل : من هو الشخص الغريب؟ وأين عاش ؟ وكيف مات ( فإن أسباب الموت كثيرة .. ومن بينها وجعُ الحياة )
سألتُ نفسي : هل يرانا أم يرى عدماً ويأسف على النهاية
كنتُ أعلمُ أنه لن يفتح النعش المغطّى بالبنفسج كي يودّعنا ..ويشكرنا .. ويهمس بالحقيقة ( ما الحقيقة ؟؟؟)
ربمّا هو مثلنا في هذه الساعات يطوي ظلّه لكنّه هو وحده الشخص الذي لم يبكِ هذ الصباح ولم يرَ الموت المحلّق فوقنا كالصقر (فالأحياء هم أبناء عمِّ الموت ... والموتى نيام ٌ هادئون .. وهادئون .. وهادئون )
ولم أجد سبباً لأسأل : من هو الشخص الغريب ؟ وما اسمه ؟ ( لا برق يلمع في اسمه )
والسائرون وراءه عشرون شخصاً ما عداي ( أنا سواي )
وتهتُ في قلبي على باب الكنيسة :
ربّما هو كاتبٌ أو عاملٌ أو لاجىء أو سارقٌ ، أو قاتل ٌ ... لا فرق فالموتى سواسية أمام الموت لايتكلمون .. وربّما لا يحلمون
وقد تكون جنازة الشخص الغريب جنازتي لكن أمرا ما إلهيّاً يؤجِّلها لأسبابٍ عديدة
من بينها .. خطأ كبيرٌ في القصيدة
وقد تكون جنازة الشخص الغريب جنازتي
لكن أمرا ما إلهيّاً يؤجِّلها لأسبابٍ عديدة
من بينها .. خطأ كبيرٌ في القصيدة
آخر قصيدة لمحمود درويش " حالة حصار " نشرها في مجلة الكرمل
هنا، عند مُنْحَدَرات التلال، أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت، قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ، نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ، وما يفعل العاطلون عن العمل: نُرَبِّي الأملْ.
بلادٌ علي أُهْبَةِ الفجر. صرنا أَقلَّ ذكاءً، لأَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر: لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة. أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ في حلكة الأَقبية.
هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحداً... سيمتدُّ هذا الحصارُ إلي أن نعلِّم أَعداءنا نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ. أَلسماءُ رصاصيّةٌ في الضُحي بُرْتقاليَّةٌ في الليالي. وأَمَّا القلوبُ فظلَّتْ حياديَّةً مثلَ ورد السياجْ.
هنا، لا أَنا هنا، يتذكَّرُ آدَمُ صَلْصَالَهُ... يقولُ علي حافَّة الموت: لم يَبْقَ بي مَوْطِئٌ للخسارةِ: حُرٌّ أَنا قرب حريتي. وغدي في يدي. سوف أَدخُلُ عمَّا قليلٍ حياتي، وأولَدُ حُرّاً بلا أَبَوَيْن، وأختارُ لاسمي حروفاً من اللازوردْ...
في الحصار، تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُ بين تذكُّرِ أَوَّلها. ونسيانِ آخرِها.
هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان، علي دَرَج البيت، لا وَقْتَ للوقت. نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلي الله: ننسي الأَلمْ.
الألمْ هُوَ: أن لا تعلِّق سيِّدةُ البيت حَبْلَ الغسيل صباحاً، وأنْ تكتفي بنظافة هذا العَلَمْ. لا صديً هوميريٌّ لشيءٍ هنا. فالأساطيرُ تطرق أبوابنا حين نحتاجها. لا صديً هوميريّ لشيء. هنا جنرالٌ يُنَقِّبُ عن دَوْلَةٍ نائمةْ تحت أَنقاض طُرْوَادَةَ القادمةْ
يقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود وبين العَدَمْ بمنظار دبّابةٍ... نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ. أَيُّها الواقفون علي العَتَبات ادخُلُوا، واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ غقد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلناف. أَيها الواقفون علي عتبات البيوت! اُخرجوا من صباحاتنا، نطمئنَّ إلي أَننا بَشَرٌ مثلكُمْ!
أُفكِّر، من دون جدوي: بماذا يُفَكِّر مَنْ هُوَ مثلي، هُنَاكَ علي قمَّة التلّ، منذ ثلاثةِ آلافِ عامٍ، وفي هذه اللحظة العابرةْ؟ فتوجعنُي الخاطرةْ وتنتعشُ الذاكرةْ
عندما تختفي الطائراتُ تطيرُ الحماماتُ، بيضاءَ بيضاءَ، تغسِلُ خَدَّ السماء بأجنحةٍ حُرَّةٍ، تستعيدُ البهاءَ وملكيَّةَ الجوِّ واللَهْو. أَعلي وأَعلي تطيرُ الحماماتُ، بيضاءَ بيضاءَ. ليت السماءَ حقيقيّةٌ غقال لي رَجَلٌ عابرٌ بين قنبلتينف
الوميضُ، البصيرةُ، والبرقُ قَيْدَ التَشَابُهِ... عمَّا قليلٍ سأعرفُ إن كان هذا هو الوحيُ... أو يعرف الأصدقاءُ الحميمون أنَّ القصيدةَ مَرَّتْ، وأَوْدَتْ بشاعرها
غ إلي ناقدٍ: ف لا تُفسِّر كلامي بملعَقةِ الشايِ أَو بفخِاخ الطيور! يحاصرني في المنام كلامي كلامي الذي لم أَقُلْهُ، ويكتبني ثم يتركني باحثاً عن بقايا منامي
شَجَرُ السرو، خلف الجنود، مآذنُ تحمي السماءَ من الانحدار. وخلف سياج الحديد جنودٌ يبولون ـ تحت حراسة دبَّابة ـ والنهارُ الخريفيُّ يُكْملُ نُزْهَتَهُ الذهبيَّةَ في شارعٍ واسعٍ كالكنيسة بعد صلاة الأَحد...
نحبُّ الحياةَ غداً عندما يَصِلُ الغَدُ سوف نحبُّ الحياة كما هي، عاديّةً ماكرةْ رماديّة أَو مُلوَّنةً.. لا قيامةَ فيها ولا آخِرَةْ وإن كان لا بُدَّ من فَرَحٍ فليكن خفيفاً علي القلب والخاصرةْ فلا يُلْدَغُ المُؤْمنُ المتمرِّنُ من فَرَحٍ ... مَرَّتَينْ!
قال لي كاتبٌ ساخرٌ: لو عرفتُ النهاية، منذ البدايةَ، لم يَبْقَ لي عَمَلٌ في اللٌّغَةْ
غإلي قاتلٍ:ف لو تأمَّلْتَ وَجْهَ الضحيّةْ وفكَّرتَ، كُنْتَ تذكَّرْتَ أُمَّك في غُرْفَةِ الغازِ، كُنْتَ تحرَّرتَ من حكمة البندقيَّةْ وغيَّرتَ رأيك: ما هكذا تُسْتَعادُ الهُويَّةْ
غإلي قاتلٍ آخر:ف لو تَرَكْتَ الجنينَ ثلاثين يوماً، إِذَاً لتغيَّرتِ الاحتمالاتُ: قد ينتهي الاحتلالُ ولا يتذكَّرُ ذاك الرضيعُ زمانَ الحصار، فيكبر طفلاً معافي، ويدرُسُ في معهدٍ واحد مع إحدي بناتكَ تارِيخَ آسيا القديمَ. وقد يقعان معاً في شِباك الغرام. وقد يُنْجبان اُبنةً (وتكونُ يهوديَّةً بالولادةِ). ماذا فَعَلْتَ إذاً ؟ صارت ابنتُكَ الآن أَرملةً، والحفيدةُ صارت يتيمةْ ؟ فماذا فَعَلْتَ بأُسرتكَ الشاردةْ وكيف أَصَبْتَ ثلاثَ حمائمَ بالطلقة الواحدةْ ؟
لم تكن هذه القافيةْ ضَرُوريَّةً، لا لضْبطِ النَغَمْ ولا لاقتصاد الأَلمْ إنها زائدةْ كذبابٍ علي المائدةْ
الحصارُ هُوَ الانتظار هُوَ الانتظارُ علي سُلَّمٍ مائلٍ وَسَطَ العاصفةْ
وَحيدونَ، نحن وحيدون حتي الثُمالةِ لولا زياراتُ قَوْسِ قُزَحْ
لنا اخوةٌ خلف هذا المدي. اخوةٌ طيّبون. يُحبُّوننا. ينظرون إلينا ويبكون. ثم يقولون في سرِّهم: ليت هذا الحصارَ هنا علنيٌّ.. ولا يكملون العبارةَ: لا تتركونا وحيدين، لا تتركونا .
خسائرُنا: من شهيدين حتي ثمانيةٍ كُلَّ يومٍ. وعَشْرَةُ جرحي. وعشرون بيتاً. وخمسون زيتونةً... بالإضافة للخَلَل البُنْيويّ الذي سيصيب القصيدةَ والمسرحيَّةَ واللوحة الناقصةْ
في الطريق المُضَاء بقنديل منفي أَري خيمةً في مهبِّ الجهاتْ: الجنوبُ عَصِيٌّ علي الريح، والشرقُ غَرْبٌ تَصوَّفَ، والغربُ هُدْنَةُ قتلي يَسُكُّون نَقْدَ السلام، وأَمَّا الشمال، الشمال البعيد فليس بجغرافيا أَو جِهَةْ إنه مَجْمَعُ الآلهةْ
قالت امرأة للسحابة: غطِّي حبيبي فإنَّ ثيابي مُبَلَّلةٌ بدَمِهْ
إذا لم تَكُنْ مَطَراً يا حبيبي فكُنْ شجراً مُشْبَعاً بالخُصُوبةِ، كُنْ شَجَرا وإنْ لم تَكُنْ شجراً يا حبيبي فكُنْ حجراً مُشْبعاً بالرُطُوبةِ، كُنْ حَجَرا وإن لم تَكُنْ حجراً يا حبيبي فكن قمراً في منام الحبيبة، كُنْ قَمرا غ هكذا قالت امرأةٌ لابنها في جنازته ف
أيَّها الساهرون ! أَلم تتعبوا من مُرَاقبةِ الضوءِ في ملحنا ومن وَهَج الوَرْدِ في جُرْحنا أَلم تتعبوا أَيُّها الساهرون ؟
واقفون هنا. قاعدون هنا. دائمون هنا. خالدون هنا. ولنا هدف واحدٌ واحدٌ واحدٌ: أن نكون. ومن بعده نحن مُخْتَلِفُونَ علي كُلِّ شيء: علي صُورة العَلَم الوطنيّ (ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخترتَ يا شعبيَ الحيَّ رَمْزَ الحمار البسيط). ومختلفون علي كلمات النشيد الجديد (ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخترتَ أُغنيَّةً عن زواج الحمام). ومختلفون علي واجبات النساء (ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخْتَرْتَ سيّدةً لرئاسة أَجهزة الأمنِ). مختلفون علي النسبة المئوية، والعامّ والخاص، مختلفون علي كل شيء. لنا هدف واحد: أَن نكون ... ومن بعده يجدُ الفَرْدُ مُتّسعاً لاختيار الهدفْ.
قال لي في الطريق إلي سجنه: عندما أَتحرّرُ أَعرفُ أنَّ مديحَ الوطنْ كهجاء الوطنْ مِهْنَةٌ مثل باقي المِهَنْ !
قَليلٌ من المُطْلَق الأزرقِ اللا نهائيِّ يكفي لتخفيف وَطْأَة هذا الزمانْ وتنظيف حَمأةِ هذا المكان
علي الروح أَن تترجَّلْ وتمشي علي قَدَمَيْها الحريريّتينِ إلي جانبي، ويداً بيد، هكذا صاحِبَيْن قديمين يقتسمانِ الرغيفَ القديم وكأسَ النبيذِ القديم لنقطع هذا الطريق معاً ثم تذهب أَيَّامُنا في اتجاهَيْنِ مُخْتَلِفَينْ: أَنا ما وراءَ الطبيعةِ. أَمَّا هِيَ فتختار أَن تجلس القرفصاء علي صخرة عاليةْ
غ إلي شاعرٍ: ف كُلَّما غابَ عنك الغيابْ تورَّطتَ في عُزْلَة الآلهةْ فكن ذاتَ موضوعك التائهةْ و موضوع ذاتكَ. كُنْ حاضراً في الغيابْ
يَجِدُ الوقتَ للسُخْرِيَةْ: هاتفي لا يرنُّ ولا جَرَسُ الباب أيضاً يرنُّ فكيف تيقَّنتِ من أَنني لم أكن ههنا !
يَجدُ الوَقْتَ للأغْنيَةْ: في انتظارِكِ، لا أستطيعُ انتظارَكِ. لا أَستطيعُ قراءةَ دوستوي÷سكي ولا الاستماعَ إلي أُمِّ كلثوم أَو ماريّا كالاس وغيرهما. في انتظارك تمشي العقاربُ في ساعةِ اليد نحو اليسار... إلي زَمَنٍ لا مكانَ لَهُ. في انتظارك لم أنتظرك، انتظرتُ الأزَلْ.
يَقُولُ لها: أَيّ زهرٍ تُحبِّينَهُ فتقولُ: القُرُنْفُلُ .. أَسودْ يقول: إلي أَين تمضين بي، والقرنفل أَسودْ ؟ تقول: إلي بُؤرة الضوءِ في داخلي وتقولُ: وأَبْعَدَ ... أَبْعدَ ... أَبْعَدْ
سيمتدُّ هذا الحصار إلي أَن يُحِسَّ المحاصِرُ، مثل المُحَاصَر، أَن الضَجَرْ صِفَةٌ من صفات البشرْ.
لا أُحبُّكَ، لا أكرهُكْ ـ قال مُعْتَقَلٌ للمحقّق: قلبي مليء بما ليس يَعْنيك. قلبي يفيض برائحة المَرْيَميّةِ. قلبي بريء مضيء مليء، ولا وقت في القلب للامتحان. بلي، لا أُحبُّكَ. مَنْ أَنت حتَّي أُحبَّك؟ هل أَنت بعضُ أَنايَ، وموعدُ شاي، وبُحَّة ناي، وأُغنيّةٌ كي أُحبَّك؟ لكنني أكرهُ الاعتقالَ ولا أَكرهُكْ هكذا قال مُعْتَقَلٌ للمحقّقِ: عاطفتي لا تَخُصُّكَ. عاطفتي هي ليلي الخُصُوصيُّ... ليلي الذي يتحرَّكُ بين الوسائد حُرّاً من الوزن والقافيةْ !
جَلَسْنَا بعيدينَ عن مصائرنا كطيورٍ تؤثِّثُ أَعشاشها في ثُقُوب التماثيل، أَو في المداخن، أو في الخيام التي نُصِبَتْ في طريق الأمير إلي رحلة الصَيّدْ...
علي طَلَلي ينبتُ الظلُّ أَخضرَ، والذئبُ يغفو علي شَعْر شاتي ويحلُمُ مثلي، ومثلَ الملاكْ بأنَّ الحياةَ هنا ... لا هناكْ
الأساطير ترفُضُ تَعْديلَ حَبْكَتها رُبَّما مَسَّها خَلَلٌ طارئٌ ربما جَنَحَتْ سُفُنٌ نحو يابسةٍ غيرِ مأهولةٍ، فأصيبَ الخياليُّ بالواقعيِّ، ولكنها لا تغيِّرُ حبكتها. كُلَّما وَجَدَتْ واقعاً لا يُلائمها عدَّلَتْهُ بجرَّافة. فالحقيقةُ جاريةُ النصِّ، حَسْناءُ، بيضاءُ من غير سوء ...
غ إلي شبه مستشرق: ف ليكُنْ ما تَظُنُّ. لنَفْتَرِضِ الآن أَني غبيٌّ، غبيٌّ، غبيٌّ. ولا أَلعبُ الجولف. لا أَفهمُ التكنولوجيا، ولا أَستطيعُ قيادةَ طيّارةٍ! أَلهذا أَخَذْتَ حياتي لتصنَعَ منها حياتَكَ؟ لو كُنْتَ غيرَكَ، لو كنتُ غيري، لكُنَّا صديقين يعترفان بحاجتنا للغباء. أَما للغبيّ، كما لليهوديّ في تاجر البُنْدُقيَّة قلبٌ، وخبزٌ، وعينان تغرورقان؟
في الحصار، يصير الزمانُ مكاناً تحجَّرَ في أَبَدِهْ في الحصار، يصير المكانُ زماناً تخلَّف عن أَمسه وَغدِهْ
هذه الأرضُ واطئةٌ، عاليةْ أَو مُقَدَّسَةٌ، زانيةْ لا نُبالي كثيراً بسحر الصفات فقد يُصْبِحُ الفرجُ، فَرْجُ السماواتِ، جغْرافيةْ !
الشهيدُ يُعَلِّمني: لا جماليَّ خارجَ حريتي. الشهيدُ يُوَضِّحُ لي: لم أفتِّشْ وراء المدي عن عذاري الخلود، فإني أُحبُّ الحياةَ علي الأرض، بين الصُنَوْبرِ والتين، لكنني ما استطعتُ إليها سبيلاً، ففتَّشْتُ عنها بآخر ما أملكُ: الدمِ في جَسَدِ اللازوردْ. الشهيدُ يُحاصِرُني: لا تَسِرْ في الجنازة إلاّ إذا كُنْتَ تعرفني. لا أُريد مجاملةً من أَحَدْ.
الشهيد يُحَذِّرُني: لا تُصَدِّقْ زغاريدهُنَّ. وصدّق أَبي حين ينظر في صورتي باكياً: كيف بدَّلْتَ أدوارنا يا بُنيّ، وسِرْتَ أَمامي. أنا أوّلاً، وأنا أوّلاً !
الشهيدُ يُحَاصرني: لم أُغيِّرْ سوي موقعي وأَثاثي الفقيرِ. وَضَعْتُ غزالاً علي مخدعي، وهلالاً علي إصبعي، كي أُخفِّف من وَجَعي !
سيمتدُّ هذا الحصار ليقنعنا باختيار عبوديّة لا تضرّ، ولكن بحريَّة كاملة!!.
أَن تُقَاوِم يعني: التأكُّدَ من صحّة القلب والخُصْيَتَيْن، ومن دائكَ المتأصِّلِ: داءِ الأملْ.
أَصدقائي يُعدُّون لي دائماً حفلةً للوداع، وقبراً مريحاً يُظَلِّلهُ السنديانُ وشاهدةً من رخام الزمن فأسبقهم دائماً في الجنازة: مَنْ مات.. مَنْ ؟
الحصارُ يُحَوِّلني من مُغَنٍّ الي . . . وَتَرٍ سادس في الكمانْ! الشهيدةُ بنتُ الشهيدةِ بنتُ الشهيد وأختُ الشهيدِ وأختُ الشهيدةِ كنَّةُ أمِّ الشهيدِ حفيدةُ جدٍّ شهيد وجارةُ عمِّ الشهيد غالخ ... الخ ..ف ولا نبأ يزعج العالَمَ المتمدِّن، فالزَمَنُ البربريُّ انتهي. والضحيَّةُ مجهولَةُ الاسم، عاديّةٌ، والضحيَّةُ ـ مثل الحقيقة ـ نسبيَّةٌ و غ الخ ... الخ ف
هدوءاً، هدوءاً، فإن الجنود يريدون في هذه الساعة الاستماع إلي الأغنيات التي استمع الشهداءُ إليها، وظلَّت كرائحة البُنّ في دمهم، طازجة.
هدنة، هدنة لاختبار التعاليم: هل تصلُحُ الطائراتُ محاريثَ ؟ قلنا لهم: هدنة، هدنة لامتحان النوايا، فقد يتسرَّبُ شيءٌ من السِلْم للنفس. عندئذٍ نتباري علي حُبِّ أشيائنا بوسائلَ شعريّةٍ. فأجابوا: ألا تعلمون بأن السلام مع النَفْس يفتح أبوابَ قلعتنا لِمقَامِ الحجاز أو النَهَوَنْد ؟ فقلنا: وماذا ؟ ... وَبعْد ؟
الكتابةُ جَرْوٌ صغيرٌ يَعَضُّ العَدَمْ الكتابةُ تجرَحُ من دون دَمْ.. فناجينُ قهوتنا. والعصافيرُ والشَجَرُ الأخضرُ الأزرقُ الظلِّ. والشمسُ تقفز من حائط نحو آخرَ مثل الغزالة. والماءُ في السُحُب اللانهائية الشكل في ما تبقَّي لنا من سماء. وأشياءُ أخري مؤجَّلَةُ الذكريات تدلُّ علي أن هذا الصباح قويّ بهيّ، وأَنَّا ضيوف علي الأبديّةْ. رام الله ـ يناير
البنتُ/ الصرخة
على شاطئ البحر بنتٌ. وللبنت أَهلٌ
وللأهل بيتٌ. وللبيت نافذتان وبابْ...
وفي البحر بارجةٌ تتسلَّى
بصيدِ المُشاة على شاطئ البحر:
أربعةٌ، خمسةٌ، سبعةٌ
يسقطون على الرمل، والبنتُ تنجو قليلاً
لأن يداً من ضباب
يداً ما إلهيةً أسعفتها، فنادت: أَبي
يا أَبي! قُم لنرجع، فالبحر ليس لأمثالنا!
لم يُجِبْها أبوها المُسجَّى على ظلهِ
في مهب الغياب
دمٌ في النخيل، دمٌ في السحاب
يطير بها الصوتُ أعلى وأَبعد من
شاطئ البحر. تصرخ في ليل برّية،
لا صدى للصدى.
فتصير هي الصرخةَ الأبديةَ في خبرٍ
عاجلٍ، لم يعد خبراً عاجلاً
عندما
عادت الطائرات لتقصف بيتاً بنافذتين وباب!
ليتني حجر
لا أَحنُّ الى أيِّ شيءٍ
فلا أَمسِ يمضي، ولا الغَدُ يأتي
ولا حاضري يتقدمُ أو يتراجعُ
لا شيء يحدث لي!
ليتني حجرٌ – قلتُ – يا ليتني
حجرٌ ما ليصقُلَني الماءُ
أخضرُّ، أصفرُّ... أُوضَعُ في حُجْرةٍ
مثل منحوتةٍ، أو تمارينَ في النحت...
أو مادةً لانبثاق الضروريِّ
من عبث اللاضروريِّ...
يا ليتني حجرٌ كي أَحنَّ الى أيِّ شيء!
مَكرُ المجاز
مجازاً أقول: انتصرتُ
مجازاً أقول: خسرتُ...
ويمتدُّ وادٍ سحيقٌ أمامي
وأَمتدُّ في ما تبقى من السنديانْ...
وثمَّة زيتونتان
تَلُمّانني من جهاتٍ ثلاثٍ
ويحملني طائرانْ
الى الجهة الخاليةْ
من الأوج والهاويةْ
لئلاَّ أقول: انتصرتُ
لئلاَّ أقول: خسرتُ الرهانْ!
[ أغسطس 12, 2008, 02:31 AM: تم تحرير المشاركه من قبل: ديمــــــــــاثـ ]
--------------------
اللهم أنر بالإيمان قبروالدي واشدد أزره وآمنه من الفزع ويمن كتابه إلهي وخالقي وحبيبي أسألك أن تيسر حسابه وتثبت له يقينه وأجعله من أصحاب الوجوه المسفرةالضاحكة المستبشرة في جنة عالية لاتسمع فيها لاغية فيها عين جارية وبشره بروح وريحان وأنهار وجنان يامنان اللهم إني أسألك أن تجمعني به في جنات النعيم على سرر متقابلين
أحن .. الى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي .. و تكبر في الطفولة يوماً على صدر أمي وأعشق عمري لأني اذا مت أخجل من دمع أمي ! خذيني ، اذا عدت يوماً وشاحاً لهديك وغطي عظامي بعشب تعمد من طهر كعبك وشدي وثاقي .. بخصلة شعر .. بخيط يلوح في ذيل ثوبك .. ضعيني ، اذا ما رجعت وقوداً بتنور نارك وحبل غسيل على سطح دارك لأني فقدت الوقوف بدون صلاة نهارك هرمت ، فردي مجوم الطفولة حتى أشارك صغار العصافير درب الرجوع .. لعش انتظارك .. !
--------------------
اللهم أنر بالإيمان قبروالدي واشدد أزره وآمنه من الفزع ويمن كتابه إلهي وخالقي وحبيبي أسألك أن تيسر حسابه وتثبت له يقينه وأجعله من أصحاب الوجوه المسفرةالضاحكة المستبشرة في جنة عالية لاتسمع فيها لاغية فيها عين جارية وبشره بروح وريحان وأنهار وجنان يامنان اللهم إني أسألك أن تجمعني به في جنات النعيم على سرر متقابلين
يحكون في بلادنا يحكون في شجن عن صاحبي الذي مضى وعاد في كفن ..
محمود درويش
شموخ الملكة إليسا & [ eLis$Ssa ]
رحم الله الشاعر محمود درويش وغفر له
ومن انجب شعراً كشعرة فهو لم يمت
--------------------
اللهم أنر بالإيمان قبروالدي واشدد أزره وآمنه من الفزع ويمن كتابه إلهي وخالقي وحبيبي أسألك أن تيسر حسابه وتثبت له يقينه وأجعله من أصحاب الوجوه المسفرةالضاحكة المستبشرة في جنة عالية لاتسمع فيها لاغية فيها عين جارية وبشره بروح وريحان وأنهار وجنان يامنان اللهم إني أسألك أن تجمعني به في جنات النعيم على سرر متقابلين
وكأن قلبي كان يخفي شعوراً غامضاً بأنها ستكون الأخيرة
أبدع كأي شاعر مودع ..
لم يكن شاعرا قوميا ولم يمنح شعره الثورة ولم يجعل قضية بلاده هي عنصر كتابته ولم يتحمل عبء الوطنية في أشعاره إلا مروراً ورغم هذا كان كأثر الفراشة على قلوب محبيه
نعم أثر الفراشة كتابه الأخير الذي اقتنيته من معرض الكتاب ومازال حتى هذا اليوم مستلقياً باريكتي يشاطرني حزني ونومي ..
[ أغسطس 23, 2008, 04:06 AM: تم تحرير المشاركه من قبل: ديمــــــــــاثـ ]
--------------------
اللهم أنر بالإيمان قبروالدي واشدد أزره وآمنه من الفزع ويمن كتابه إلهي وخالقي وحبيبي أسألك أن تيسر حسابه وتثبت له يقينه وأجعله من أصحاب الوجوه المسفرةالضاحكة المستبشرة في جنة عالية لاتسمع فيها لاغية فيها عين جارية وبشره بروح وريحان وأنهار وجنان يامنان اللهم إني أسألك أن تجمعني به في جنات النعيم على سرر متقابلين