مرسله في
شيرين تعيد ابتكار هويّتها الفنيّة في ألبوم "نسّاي"
بقلم: بشّار زيدان
يواصل ألبوم “نسّاي” للنجمة المصرية شيرين عبد الوهاب بتحقيق نجاح منقطع النظير في كافة أنحاء العالم العربي، ورغم أنني كنت مستعداً لكتابة رأيي حول الألبوم في اليوم الأول من صدوره، إلا أنني كلّما استمعت أكثر لأغانيه اكتشفت أموراً جديدة فيه لا بد من الكتابة عنها، فواصلت تأجيل نشر هذا المقال حتى تشبّعت من كافّة أغاني الألبوم، وهذا إن دلّ على شيء فيدلّ على تركيبة الألبوم الأقرب إلى طبقات من الفن والإبداع التي عليك الغوص إلى داخلها حتى تكتشف أجمل ما فيها.
“نسّاي” هي الاختيار الصحيح لعنوان الألبوم ولافتتاحيّته، فهي “Hit” فوريّ لا يحتاج سماعه مرّتين حتى تدرك أن هذه الأغنية تحمل الخلطة السحريّة للنجاح، فهي ليست جديدة ومختلفة على شيرين فحسب، بل على الساحة الفنيّة العربيّة ككل، وقد كسرت أرقاماً قياسيّة بتحقيقها أكثر من 18 مليون مشاهدة على الـ”YouTube” في أقل من شهر. الأغنية تحمل موضوع جديد في كلماتها، فتجمع بين الحب وطرافة المواقف التي تحدث بين شيرين وحبيبها الـ"نسّاي"، وهي من كلمات تامر حسين. أما اللحن المميّز الذي جاء بجمل موسيقية سهلة الحفظ فقد صاغه تامر علي. فيما نجح النابلسي بإعطاء الأغنية هويّتها اللاتينية المميّزة، والتي تواكب النمط الموسيقي اللاتيني الجديد والذي يحقّق نجاحاً كبيراً على مستوى العالم في العامين الأخيرين.
في “بحبّك من زمان” تترجم شيرين حالة الرومانسية التي تعيشها منذ زواجها بالفنان حسام حبيب، في أغنية تعبّر عن خلاصة الحبّ ضمن قالب موسيقي رقيق وهادئ. في الأغنية لمسة غربيّة جديدة على شيرين تتجلّى في الجمل اللحنيّة والتوزيع الموسيقي.
مع الإيقاعات الشرقيّة تأتي أغنية “بيّاعين الصبر” بفكرة جديدة في كلماتها، إذ تحمل مفردات معبّرة وغير مستهلكة. موسيقيّاً، تذكّرنا الأغنية بلون شيرين الإيقاعيّ منذ بدايتها، حتى في أدائها للأغنية هناك تلك اللمسة التي جعلتنا نعشق صوتها.
في الألبوم عدّة أغاني “شخصيّة” نشعر بأن شيرين تعيشها، ممّا يقرّب المستمع منها أكثر، وأغنية “ضعفي” هي من تلك الأغاني التي تُشعرنا بأنها تصف جانب من شخصيّة شيرين بالأخص عندما مرّت بالظروف التي دفعتها لإعلان اعتزالها ومن ثم عادت عن قرارها عندما هدأت واستعادت قوّتها على المواجهة وإكراماً للعيون الفرحانة فيها. ومن المفارقة أن تكون أغنية “ضعفي” خالية من الضعف، بل هي من أقوى أغاني الألبوم على التعبير، وقد أدّتها شيرين بإحساسٍ فريد.
تعود الأجواء الرومانسية للألبوم مع “حُبّه جنّة” وهذه المرّة مع حالة مختلفة موسيقياً، إذ أنها أقرب للّون اللاتيني الحاضر في الألبوم بقوّة. هذا التجديد في الكلمة والموسيقى يجعل الأغنية مختلفة على شيرين، التي أدّتها برقّة وعبّرت عن عشقٍ لا متناهٍ.
“الوتر الحسّاس” هي الأغنية المصريّة الإيقاعيّة التي تتوقّعها من شيرين وتكون حاضرة في كافة ألبوماتها، لكن هذه المرّة تأتي بشكلٍ جديد، إذ فيها “nostalgia” تعيدنا إلى فترة التسعينات وموضتها الموسيقية من حيث التوزيع.
ما أن تتقدّم إلى هذا الجزء من الألبوم حتى تبدأ المزيد من الجواهر الفنيّة بالظهور، ففي “كلام عينيه” حالة جديدة كلياً على شيرين وعلى الأغنية العربيّة. الأغنية تنتمي للون موسيقي قلّما نسمعه في العالم العربي، كما أن كلماتها الرومانسيّة التي كتبها أمير طعيمة جاءت بعبارات غير متوقّعة ترجمها مدين إلى جمل لحنيّة إبداعيّة أمتعنا شيرين بغنائها، فيما حمل التوزيع الموسيقي لمسات مبتكرة من المتميْز حسن الشافعي.
تواصل شيرين باختبار أنماط موسيقية مختلفة في “يا ريتها جات”. الأغنية تحمل موضوع جديد في كلماتها، وقد تمكّنت شيرين من أدائها بإحساسٍ مختلف أظهر جوانب جديدة من صوتها.
عند سماع أغنية “زمان” للمرّة الأولى تشعر بأنها أغنية إيقاعية ذات طابع موسيقي مميّز وجديد على شيرين، إلا أنها سرعان ما تتحوّل إلى إدمان لا يمكنك معرفة سببه، ففي الأغنية ذلك العنصر الذي يجعلك تسمعها مراراً وتكراراً فتحفظها وتردّدها وتستمتع بأنغامها. و على الرغم من بساطة كلماتها، هناك جمل تعلق في ذهنك مثل “عمر الشوق ما بيفضل، زي الورد بيدبل”، وهناك تكامل في العناصر يتواصل مع اللحن والتوزيع.
“كدابين” باتت بسرعة واحدة من أنجح أغاني الألبوم، محقّقة إلى الآن نحو سبعة ملايين مشاهدة على “YouTube” وحده. الأغنية تصل للمستمع دون استئذان، ففي كلماتها صراحة صادمة صاغها أيمن بهجت قمر ببراعة، وقد نجح خالد عزّ بترجمتها إلى جمل لحنيّة شرقيّة تُمتعنا بمقدرات شيرين الصوتية، كما منح توما الأغنية التوزيع الذي عبّر عن حالتها بأنسب شكل. الأغنية تضاف بسهولة إلى كلاسيكيات شيرين في اللون الدرامي الذي يعشقه الجمهور بصوتها.
التجديد والبحث عن المختلف يصلان إلى مكان جديد مع أغنية “طيّبة وجدعة” التي تُعدّ “statement” فنّي من شيرين، إذ تغنّي عن نفسها وتجاربها الشخصيّة وتردّ من خلال الأغنية على كافّة المواقف التي تعرّضت لها في السنوات الأخيرة بسبب عفويتها وردود الأفعال التي كانت تصاحب تصريحات مجتزأة من كلامها بهدف مهاجمتها. الأغنية مميّزة بكافّة عناصرها، من الكلمات التي كتبها مصطفى حسن، الألحان التي صاغها بلال سرور، والتوزيع الذي أبدع فيه النابلسي.
تختتم شيرين الألبوم مع “تاج راسك” التي لا نبالغ إن اعتبرناها علامة فارقة جديدة في مسيرتها الفنيّة. الأغنية بمثابة رسالة تقوية للمرأة التي تعاني للحفاظ على زواجها، تقدّم كل التضحيات والتنازلات في سبيل إسعاد زوجها، إلى أن يطفح الكيل بها فلا تعود قادرة على الاحتمال، مما يدفعها لوضع حدّ لتلك العلاقة غير المتوازنة فتستعيد قوّتها وتذكّر حبيبها بأنها “مش جارية ولا عبدة، أنا ستّك وتاج راسك”. هنا أبدع أمير طعيمة من جديد في كتابة الكلمات بأحداثها المتسلسلة، وتمكّن خالد عزّ من مجاراته في الجمل اللحنيّة الجميلة، وأثرى حسن الشافعي الأغنية بتوزيع موسيقي غنيّ يجمع بين الكلاسيكية والتجديد.
التنويع، التجديد، والبحث عمّا هو مختلف، كلّها أمور ميّزت ألبوم “نسّاي”، إذ تمكّنت شيرين من إعادة ابتكار هويّتها الفنيّة سواءاً في الأغاني الإيقاعيّة، الدراميّة، أو الرومانسية، وأعطت الجمهور ألبوم من العيار الثقيل الذي يعيش طويلاً، ونجحت من جديد بإثبات أنها تقدّم عمل يستمتع به الجمهور من بدايته إلى نهايته وليس فقط بأغنية أو اثنتين. في الألبوم عدّة أغاني يمكن لشيرين تصويرها بعد “نسّاي”، مثل “تاج راسك”، “كدابين”، “كلام عينيه”، “زمان”، “طيّبة وجدعة”، فكلّها أغاني مميّزة تستحق الدعم ويمكن أن تتيح لشيرين فرصة تقديم عدد أكبر مما اعتدنا عليه من الكليبات.